في السنوات الأخيرة، شهدت التجارة بين تركيا وإفريقيا نموًا متسارعًا نتيجة الانفتاح التركي على القارة، وكان لشمال إفريقيا نصيب بارز في هذا التطور. وتعد الاستثمارات التركية، خاصة في قطاع الحديد والصلب، من العوامل الرئيسية التي عززت التجارة بين الجانبين، بالإضافة إلى الطلب المتزايد على المنتجات التركية.
ووفقًا لبيانات مجلس المصدرين الأتراك (TİM) التي جمعتها وكالة الأناضول، فإن إجمالي صادرات تركيا في يناير 2024 زاد بنسبة 5.8% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ليصل إلى 21.2 مليار دولار.
أما صادرات تركيا إلى إفريقيا فقد ارتفعت بنسبة 7.1% مقارنة بيناير 2023، بينما شهدت صادراتها إلى شمال إفريقيا زيادة بنسبة 12.7%، مما يعكس الزخم المتزايد في التجارة مع دول المنطقة.
مصر تتصدر قائمة الدول المستوردة
من بين دول شمال إفريقيا، حصلت مصر على الحصة الأكبر من الصادرات التركية في يناير، حيث بلغت قيمة الصادرات إليها 256.3 مليون دولار.
ويعزى هذا النمو إلى تحسن العلاقات الثنائية بين تركيا ومصر، والذي بدأ ينعكس إيجابًا على حجم التجارة بين البلدين.
وجاءت المغرب في المرتبة الثانية بمبلغ 253.2 مليون دولار، تليها ليبيا بـ 225.3 مليون دولار، ثم الجزائر بـ 186.5 مليون دولار، وتونس بـ 85.4 مليون دولار، وأخيرًا السودان بـ 28 مليون دولار.
أما على مستوى نمو الصادرات، فقد سجلت ليبيا أعلى زيادة في يناير، حيث ارتفعت قيمة الصادرات التركية إليها بمقدار 61.7 مليون دولار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وتلتها السودان بزيادة 22 مليون دولار، ثم مصر بزيادة 19.9 مليون دولار، وتونس بزيادة 18.2 مليون دولار، والمغرب بزيادة 10.4 مليون دولار.
في المقابل، كانت الجزائر الدولة الوحيدة في المنطقة التي شهدت انخفاضًا في الواردات من تركيا، حيث انخفضت قيمة الصادرات التركية إليها بمقدار 15.8 مليون دولار.
قطاع الكيميائيات يتصدر قائمة المنتجات المصدّرة
على صعيد القطاعات المصدّرة، تصدرت الصناعات الكيماوية قائمة المنتجات التي تم تصديرها إلى شمال إفريقيا في يناير، حيث بلغت قيمتها 178.7 مليون دولار.
وتلتها صناعة الصلب بـ 129.2 مليون دولار، ثم قطاع الحبوب والبقوليات والبذور الزيتية بـ 108.6 مليون دولار، والمنسوجات والمواد الخام بـ 104.8 مليون دولار، وقطاع السيارات بـ 72.4 مليون دولار.
أما أقل القطاعات طلبًا في المنطقة، فكانت كالتالي:
- التبغ: 2.6 مليون دولار
- الفواكه والخضروات الطازجة: 1.5 مليون دولار
- النباتات والزهور: 952 ألف دولار
- الزيتون وزيت الزيتون: 764 ألف دولار
- السفن واليخوت والخدمات البحرية: 44 ألف دولار
“إفريقيا توفر فرصًا هامة للشركات الصغيرة والمتوسطة”
أكد رئيس منتدى الصناعات التعاونية العالمية (WCI) ومؤسس مراكز التجارة الإفريقية، أوتكو بنجيسو، أن الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية وارتفاع تكاليف الشحن أثّرت على التجارة في إفريقيا، إلا أن تركيا نجحت في زيادة صادراتها إلى دول شمال القارة.
وأشار بنجيسو إلى أهمية دراسة نوعية المنتجات المصدرة إلى إفريقيا، قائلًا:
“على سبيل المثال، إذا كانت نسبة كبيرة من صادراتنا إلى مصر والمغرب تتعلق بالآلات والمعدات الصناعية، فقد يكون ذلك مؤشرًا على أن الاستثمارات التركية بدأت تتجه إلى تلك الدول، مما قد يؤدي إلى انتقال بعض الصناعات التركية إلى هناك خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة.”
وأضاف أن إفريقيا توفر فرصًا هامة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وأن دول شمال إفريقيا تحديدًا تتمتع ببنية تحتية أكثر تطورًا، مما يسهل عملية التصدير إليها مقارنة بباقي دول القارة.
“تركيا لديها ميزة لوجستية كبيرة أمام الصين”
لفت بنجيسو إلى أن تركيا تتمتع بميزة لوجستية واضحة مقارنة بالصين، حيث يمكن إرسال شحنة من ميناء مرسين إلى ليبيا خلال 4 أيام، بينما تحتاج الشحنات القادمة من ميناء قوانغتشو الصيني إلى ليبيا قرابة شهرين، ما يمنح تركيا أفضلية كبيرة في التكلفة والسرعة.
لكنه أشار إلى أن تركيا لا تستغل هذه الميزة بشكل كافٍ، مضيفًا أن الصين لا تكتفي بالتصدير إلى إفريقيا، بل تستثمر بشكل متزايد في المنطقة.
وقال:
“إذا كنا نهدف إلى تحقيق رؤية “تركيا الكبرى”، فلا ينبغي أن نكتفي بتصدير المنتجات، بل علينا تأسيس مصانع في المناطق التي توفر تكاليف إنتاج منخفضة، وذلك عبر استراتيجيات ذكية ومدروسة.”
“لماذا لا تؤسس تركيا منطقة صناعية كبرى في ليبيا؟”
أوضح بنجيسو أن تركيا تلعب دورًا أساسيًا في استقرار ليبيا، متسائلًا عن سبب عدم إنشاء منطقة صناعية تركية متكاملة هناك، وأضاف:
“لماذا لا تصبح تركيا المورد الرئيسي للكهرباء، ومواد البناء الأولية، والمستلزمات الزراعية في ليبيا؟”
كما أشار إلى أن السودان تعتمد بنسبة 30% على تركيا في وارداتها، وأن الحرب الأهلية هناك توشك على الانتهاء، مما يفتح المجال أمام مزيد من التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وأردف قائلًا:
“التقينا مؤخرًا مع وزير الاستثمار السوداني، وأكد رغبة السودان في التعاون مع تركيا في جميع المجالات، بدءًا من إعادة الإعمار وحتى تطوير القطاع الصناعي.”
“يجب تطوير نموذج تصدير قابل للتحول إلى استثمارات مباشرة”
أكد بنجيسو على ضرورة تطوير “نموذج تصدير مستدام”، حيث لا تقتصر التجارة على تصدير المنتجات فقط، بل تشمل إنشاء مصانع وشركات محلية في الأسواق المستهدفة، ما يضمن تحقيق أرباح مستدامة وزيادة القدرة التنافسية.
وأضاف:
“إذا كانت تركيا تسعى للوصول إلى صادرات بقيمة 500 مليار دولار إلى تريليون دولار، والدخول ضمن أكبر 10 دول مصدرة في العالم، فيجب علينا تبني نموذج التصدير القابل للتحول إلى استثمارات مباشرة. وشمال إفريقيا هي أفضل مثال لذلك. فإذا كانت صادراتنا إلى هذه المنطقة تشمل الآلات والمعدات الصناعية، فيمكننا إرسال مستثمرين إلى هناك لإنشاء مصانع، مما يتيح لنا إعادة الأرباح إلى تركيا وتعزيز قدرتنا على تمويل المشاريع الاستراتيجية مثل الصناعات الدفاعية والطائرات المسيرة.”
ختامًا: إفريقيا تحتاج إلى خارطة طريق استراتيجية
شدد بنجيسو على أن إفريقيا لا تزال منطقة غير مستغلة بالشكل الأمثل، داعيًا إلى تطوير خارطة طريق استراتيجية تستهدف كل منطقة في القارة بشكل منفصل وفقًا لاحتياجاتها الاقتصادية والبنية التحتية المتاحة.